فصل: تفسير الآية رقم (60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (54):

القول في تأويل قوله تعالى: {هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [54].
{هُدًى} أي: بياناً لأمر دينهم، وما ألزمناهم من شرائعها: {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي: لذوي الحجى، والعقول منهم.

.تفسير الآية رقم (55):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [55].
{فَاصْبِرْ} أي: إذا تلوت ما قصصناه عليك للناس، فاصبر على أذى المشركين، واصدع بما تؤمر: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: بنصرك على من خالف، لا خلف له وهو منجزه، واذكر نبأ موسى وفرعون: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} أي: سله غفرانه، وعفوه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} كقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].

.تفسير الآية رقم (56):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [56].
{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} أي: يدفعون الحق بالباطل، ويردّون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة، بلا برهان ولا حجة من الله: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} أي: إلا تكبّر عن الحق، وتعظم عن التفكر، وغمط لمن جاءهم به، حسداً منهم على الفضل الذي آتاك الله، والكرامة التي أكرمك بها من النبوة: {مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} قال ابن جرير: أي: الذي حسدوك عليه أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه. لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس بالأمر الذي يدرك بالأماني. وقد قيل: إن معناه إن في صدورهم إلا عظمة، ما هم ببالغي تلك العظمة، لأن الله مذلّهم: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} قال ابن جرير: أي: فاستجر بالله يا محمد، من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان، ومن الكبر أن يعرض في قلبك منه شيء: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أي: لما يقولون، وبما يعملون، فسيجازيهم.
تنبيه:
قال كعب، وأبو العالية: نزلت هذه الآية في اليهود، وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم، وأنهم يملكون به الأرض. فأمر صلى الله عليه وسلم أن يستعذ بالله من فتنته. قال ابن كثير: وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد. وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم، ولم يذكره ابن جرير، على ولعه بالغريب والضعيف.
وفي الإكليل: ليس في القرآن الإشارة إلى الدجال إلا في هذه الآية، أي: على صحة هذه الرواية.

.تفسير الآية رقم (57):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [57].
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} أي: لإنشائهما، وابتداعهما من غير شيء، أعظم من خلق البشر: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أي: لا ينظرون، ولا يتأملون لغلبة الجهل عليهم، ولذا يجعلون إعادة الشيء أعظم من خلقه عن عدم، مع أنه أهون وأيسر.

.تفسير الآية رقم (58):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} [58].
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} أي: ما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئاً، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه فيتدبرها ويعتبر بها، فيعلم وحدانيته وقدرته على خلق ما شاء، ويؤمن به- والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره. وذلك مثل المؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله فيتفكر فيها، ويتعظ، ويعلم ما دلت من توحيد صانعه، وعظيم سلطانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: ولا يستوي أيضاً المؤمنون بالله ورسوله، المطيعون لربهم: {وَلَا الْمُسِيءُ} وهو الكافر بربه، العاصي له، المخالف أمره: {قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} أي: حججه تعالى. فيعتبرون ويتعظون، أي: لو تذكّروا آياته واعتبروا بها، لعرفوا خطأ ما هم مقيمون عليه، من إنكار البعث، ومن قبح الشرك.

.تفسير الآية رقم (59):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [59].
{إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا} أي: فأيقنوا بمجيئها، وأنكم مبعوثون، ومجازون بأعمالكم، فتوبوا: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: لا يصدقون بمجيئها، يعني المشركين.

.تفسير الآية رقم (60):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [60].
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أي: اعبدوني أُثبْكم. قال الزمخشري: والدعاء بمعنى العبادة، كثير في القرآن، ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي: صاغرين أذلاء. قال الشهاب: إطلاق الدعاء على العبادة مجاز، لتضمن العبادة له، لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق، وجعل الإثابة لترتبها عليها استجابة، مجازاً، أو مشاكلة. وإنما أوّل به لأن ما بعده يدل عليه. والمقام يناسبه الأمر بالعبادة. وقد جوّز أن يراد بالدعاء، والاستجابة ظاهرهما، ويراد بالعبادة الدعاء مجازاً؛ لأنه باب من العبادة عظيم، وفرد من أفرادها فخيم. قال الشهاب: ولو قيل لا حاجة إلى التجوّز، لأن الإضافة المراد بها العهد هنا، فيفيد ما ذكر من غير تجوّز- لكان أحسن. انتهى.
وعلى الوجه الثاني- وهو أن المراد بالدعاء السؤال- اقتصر كثير من المفسرين. قال المهايمي: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} لأن الدعاء من العبد غاية في التذلل لربه، وهو محبوب لربه. فإذا أتى العبد بمحبوب الرب عظمه بالاستجابة، وإذا لم يستجب له في الدنيا عوضه في الآخرة، ولحبه التذلل أمر العباد بالعبادة، فإن استكبروا كان لهم غاية الإذلال. وقال القاشاني: الآية في دعاء الحال؛ لأن الدعاء باللسان مع عدم العلم بأن المدعو به خير له أم لا، دعاء المحجوبين، وأما الدعاء الذي لا تتخلف عنه الاستجابة، فهو دعاء الحال بأن يهيئ العبد استعداده لقبول ما يطلبه، ولا تتخلف الاستجابة عن هذا الدعاء. كمن طلب المغفرة، فتاب إلى الله، وأناب بالزهد والطاعة. انتهى.
وتقدم في آية: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، فوائد تناسب هذا المقام، فلتراجع. ثم أشار تعالى إلى أنه كيف لا يلزم العباد عبادته، وقد أنعم عليهم بما يقضي شكره بالعبادة، مما أجلاه منافع الليل والنهار، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (61- 62):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [61- 62].
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي: الله الذي لا تصلح الألوهية إلا له، ولا تنبغي عبادة غيره، هو الذي جعل لكم الليل مظلماً لتسكنوا فيه، فتستردوا بالراحة فيه، ما فاتكم من القوى في العمل بالنهار: {وَالنَّهَارَ مُبْصِراً} أي: أن يبصر فيه، أو به لتتحركوا لتحصيل الأكساب الدينية والدنيوية، فقد تفضل الله عليكم بهما وبما فيهما.
{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} أي: ليشكروه بعبادته: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي: عن طاعته إلى إثبات الشريك وعبادته.

.تفسير الآية رقم (63):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [63].
{كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي: من الأمم المتقدمة الهالكة، أي: فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم، وركبتم محجتهم في الضلال.

.تفسير الآية رقم (64):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [64].
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً} أي: تستقرون عليها وتسكنون فوقها: {وَالسَّمَاء بِنَاء} أي: مبنية مرفوعة فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم، وقوام دنياكم. وقد فسر البناء بالقبة المضروبة؛ لأن العرب تسمّي المضارب أبنية.
فهو تشبيه بليغ، وهو إشارة إلى كرويتها. قال الشهاب: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} أي: يجعل كل عضو في مكان يليق به، ليتم الانتفاع بها، فتستدلوا بذلك على كمال حكمته: {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} أي: لذيذات المطاعم، والمشارب لتشكروه وحده: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي: الذي لا تصلح الربوبية إلا له.

.تفسير الآية رقم (65):

القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [65].
{هُوَ الْحَيُّ} أي: الذي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شي سواه فمنقطع الحياة غير دائمها: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: مفردين له الطاعة، لا تشركوا في عبادته شيئاً: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: الثناء والشكر لله، مالك جميع أجناس الخلق، لا للأوثان التي لا تملك شيئاً، ولا تقدر على ضرر ولا نفع.
قال ابن جرير: وكان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أن يتبع ذلك: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} تأولاً منهم هذه الآية، بأنها أمر من الله بِقِيلِ ذلك. ثم أسنده عن ابن عباس، وابن جبير.

.تفسير الآية رقم (66):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [66].
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} أي: من الآلهة والأوثان: {لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي} أي: الآيات الواضحات من عنده، على وجوب وحدته، وتفرده بالعبادة: {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: لأخضع له بالطاعة دون غيره من الأشياء.

.تفسير الآية رقم (67):

القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [67].
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} أي: مما يرجع إليه. أو خلق أباكم آدم منه: {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} أي: يبقيكم لتبلغوا أشدكم، فتتكامل قواكم: {ثُمَّ لِتَكُونُوا} أي: إذا تناهى شبابكم، وتمام خلقكم: {شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ} أي: من قبل أن يصير شيخاً: {وَلِتَبْلُغُوا} أي: ونفعل ذلك لتبلغوا: {أَجَلاً مُّسَمًّى} أي: ميقاتاً محدوداً لحياتكم، وهو وقت الموت، أو لجزائكم وهو يوم القيامة: {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: ولكي تعقلوا حجج الله عليكم بذلك، وتتدبروا آياته، فتعرفوا بها أنه لا إله غيره.

.تفسير الآية رقم (68):

القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [68].
{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} أي: يكونه من غير كلفة ولا معاناة، وقد تقدم في سورة البقرة الكلام على هذه الآية مطولاً.

.تفسير الآيات (69- 72):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ لْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [69- 72].
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ} أي: عن الرشد إلى الغي: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ} أي: بكتاب الله، وهو القرآن: {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ} أي: الماء الحار. قال المهايمي: لدفعهم برد اليقين من دلائل الكتاب، والسنة: {ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} أي: يحرقون. قال المهايمي: لإحراقهم الأدلة العقلية والنقلية.

.تفسير الآيات (73- 74):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} [73- 74].
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} أي: غابوا فلم نعرف مكانهم، وهذا قبل أن يقرنوا معهم، أو ضلالهم استعارة لعدم نفعها لها. فحضورهم كالعدم: {بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئاً} أي: ما كنا مشركين. وكذبوا لحيرتهم واضطرابهم. أو بمعنى: تبين لنا أنا لم نكن نعبد شيئاً. قال القاشاني: لاطلاعهم على أن ما عبدوه، وضيعوا أعمارهم في عبادته، ليس بشيء، فضلاً عن إغنائه عنهم شيئاً: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} أي: أهل الكفر به، عنه وعن رحمته، فلا يخفف عنهم العذاب.

.تفسير الآية رقم (75):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [75].
{ذَلِكُم} أي: العذاب: {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} أي: بسبب فرحكم في الدنيا، بغير ما أذن الله لكم به، من الباطل والمعاصي، وبمرحكم فيها. والمرح هو الأشر، والبطر، والخيلاء. وبين الفرح والمرح تجنيس بديع.

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [76].
{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} أي: منزل المتعظمين عن الإيمان والتوحيد، جهنم.

.تفسير الآية رقم (77):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [77].
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: فاصبر على جدال هؤلاء المتكبرين في آيات الله، وعلى تكذيبهم، فإن وعد الله إياك بالظفر عليهم، حق ثابت: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} أي: من العذاب والنقمة: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} أي: قبل أن يحل بهم ما يحل: {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} أي: فنحكم بينهم بالحق، وهو الخلود في النار، لمناسبة نفوسهم الكدرة الظلمانية، البعيدة عن الحق، واستحكام ملكات رذائلهم.